responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 450
فِيهِ لَا يَتِمُّ حُصُولُهُ إِلَّا بِالْتِزَامِ هَذِهِ الطَّاعَةِ، فَاحْذَرُوا الْخُرُوجَ عَنْهَا، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: تَرْكُ الطَّاعَةِ يُوجِبُ زَوَالَ الْإِيمَانِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِكَلِمَةِ إِنَّ عَلَى الشَّيْءِ عُدِمَ عند عدم ذلك الشيء، وهاهنا الْإِيمَانُ مُعَلَّقٌ عَلَى الطَّاعَةِ بِكَلِمَةِ (إِنْ) فَيَلْزَمُ عَدَمُ الْإِيمَانِ عِنْدَ عَدَمِ الطَّاعَةِ وَتَمَامُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ [النِّسَاءِ: 31] واللَّه أَعْلَمُ.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 2 الى 4]
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَاقْتَضَى ذَلِكَ كَوْنَ الْإِيمَانِ مُسْتَلْزِمًا لِلطَّاعَةِ، شَرَحَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَزِيدَ شَرْحٍ وَتَفْصِيلٍ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ حُصُولِ هَذِهِ الطَّاعَاتِ فَقَالَ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الْآيَةَ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ حُصُولِ أُمُورٍ خَمْسَةٍ:
الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قَالَ الْوَاحِدِيُّ يُقَالُ: وَجِلَ يَوْجَلُ وَجَلًا، فَهُوَ وَجِلٌ، وَأَوْجَلَ إِذَا خَافَ. قَالَ الشَّاعِرُ:
لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَأَوْجَلُ ... عَلَى أَيِّنَا تَعْدُو الْمَنِيَّةُ أَوَّلُ
وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِنَّمَا يَكُونُ مُؤْمِنًا إِذَا كَانَ خَائِفًا مِنَ اللَّه، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ [الزُّمَرِ: 23] وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 57] وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 2] وَقَالَ أَصْحَابُ الْحَقَائِقِ: الْخَوْفُ عَلَى قِسْمَيْنِ: خَوْفُ الْعِقَابِ، وَخَوْفُ الْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ. أَمَّا خَوْفُ الْعِقَابِ فَهُوَ لِلْعُصَاةِ. وَأَمَّا خَوْفُ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ فَهُوَ لَا يَزُولُ عَنْ قَلْبِ أَحَدٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، سَوَاءً كَانَ مَلَكًا مُقَرَّبًا أَوْ نَبِيًّا مُرْسَلًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ لِذَاتِهِ عَنْ كُلِّ الْمَوْجُودَاتِ/ وَمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ فَمُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَالْمُحْتَاجُ إِذَا حَضَرَ عِنْدَ الْمَلِكِ الْغَنِيِّ يَهَابُهُ وَيَخَافُهُ، وَلَيْسَتْ تِلْكَ الْهَيْبَةُ مِنَ الْعِقَابِ، بَلْ مُجَرَّدُ عِلْمِهِ بِكَوْنِهِ غَنِيًّا عَنْهُ، وَكَوْنِهِ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ يُوجِبُ تِلْكَ الْمَهَابَةَ، وَذَلِكَ الْخَوْفَ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْوَجَلِ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ، فَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ مِنْ مُجَرَّدِ ذِكْرِ اللَّه، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ ذِكْرِ عِقَابِ اللَّه. وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ إِلْزَامُ أَصْحَابِ بَدْرٍ طَاعَةَ اللَّه وَطَاعَةَ الرَّسُولِ فِي قِسْمَةِ الْأَنْفَالِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْوَجَلِ الْقِسْمَ الثَّانِيَ، فَذَلِكَ لَازِمٌ مِنْ مُجَرَّدِ ذِكْرِ اللَّه، وَلَا حَاجَةَ فِي الْآيَةِ إِلَى الإضمار.
فإن قيل: إنه تعالى قال هاهنا وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ [الرَّعْدِ: 28] فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؟ وَأَيْضًا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الزُّمَرِ: 23] قُلْنَا: الِاطْمِئْنَانُ إِنَّمَا يَكُونُ عَنْ ثَلْجِ الْيَقِينِ، وَشَرْحِ الصَّدْرِ بِمَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ، وَالْوَجَلُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ خَوْفِ الْعُقُوبَةِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، بَلْ نَقُولُ: هَذَانِ الْوَصْفَانِ اجْتَمَعَا فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الزُّمَرِ: 23] وَالْمَعْنَى:

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 450
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست